صديقك الحقيقي هو الذي تبقى معه معظم الوقت، تلعب معه، تأكل معه، تمشي معه، تدرس معه، تراه كل يوم تقريبا، تُرافقه للمدرسة، تتعاون معه لإنجاز بحث ومجلة حائطية تطلبها الأستاذة منكم كفريق.
كل واحد له مهمة، فهناك من يُحضر البحث، وهناك من يُحضر الصورة، وآخر مسؤول عن إحضار المجلة، ويتعاون الكل على صياغة ما هو مطلوب، ثم يتم اختيار صاحب الخط الجميل فهو يكتب ما اتفق عليه الجميع.
الصديق الحقيقي يُنقذك
يتم تقسيم القسم لفرق، كل فرقة تعمل بتعاون بين أعضائها، وتختار الأستاذة أفضل مجلة، بناءًا على ما كُتب فيها، والتعاون بين أفرادها، وتحصل على علامة عالية.
تُعلق الأستاذة المجلة على الحائط لمدة أسبوع، حتى تأتي حصة المجلة، لتُعلق مجلة أخرى بجانبها في الأسبوع المُوالي، وهكذا تتنافس الفرق لتكون مجلتهم أفضل واحدة.
كيف تعرف صديقك الحقيقي؟
في مساء يوم الجمعة، يوم المجلة، اتفقنا ووزعنا المهام، وأحضرت أنا المجلة واللصاق المُلون، لنُزينها، وأحضر كل واحد ما طُلب منه فقد وزعنا المهام على الفريق كل حسب ما يحتاجه العمل.
بدأت فاطمة الكتابة فهي صاحبة خط ممتاز، وكنا نُملي عليها ما تكتبه، لكنها أخطأت واتسخت المجلة، كان موقفًا سيئًا، فخِفنا ألا تكون مجلتنا الفائزة وفيها أخطاء وأوساخ.
يوسف كان مطلوب منه إحضار الصورة فقط، لكنه اشترى كذلك المجلة، بدون أي تردد أعطانا المجلة، وأنقذنا وأخرج المجلة في الوقت المناسب تمامًا، وأعادت فاطمة كتابة النص بخطها الجميل بدون أخطاء.
المواقف هي التي تكشف معدِن الإنسان
فِعلًا فازت مجلتنا بالتحدي وستبقى مُعلقة أمام أعيُننا أُسبوعا كاملًا، إنجاز رائع من فريق مُتعاون وزع المهام بنجاح بين كل الأفراد.
صباح يوم الاثنين مررت على صديقي يوسف، انتظرته وذهبنا معًا، نتحدث تارة ونلعب أخرى، ونمشي ببطء، فجأة وجدنا 100 درهم، التقطها يوسف ووضعها في جيبه.
أكملنا الطريق، اتفقنا أن نتقاسم المبلغ، واو سأشتري بنصف المبلغ حلويات وشكلاطة، وأحتفظ بالنصف الآخر في الحصالة.
درسنا ودق الجرس فخرجنا فرحين، كان الوقت لا يسمح، فلابد أن نعود للبيت ونُغير كُتبنا المدرسية، ونأكل ونعود للدراسة المسائية، فاتفقنا أن نتقاسم المبلغ مساءًا بعد انتهاء كل الحصص.
في المساء عندما التقيت يوسف، قال إنه نسي المبلغ في البيت.
قُلت: لا بأس نتقاسم المبلغ غدا.
يوسف: نعم، ونشتري الكاطو والحلويات.
قصة جرة العسل
عُدت للمنزل بعد انتهاء الدراسة المسائية، وأنا فرح ولاحظت أمي فرحتي.
- وقالت: هل حصلت على نقطة عالية؟
- قُلت: لا.
- أمي: إذا ماذا حصل؟
- أنا: لقد وجدنا 100 درهم، بينما كنا ذاهبين للمدرسة، لكن يوسف نسيها في المنزل وسنتقاسمها غدا، وسأشتري الحلويات والكاطو.
- أمي: هل تعرف قصة جرة العسل؟
- أنا: لا.
- أمي: سأحكيها لك.
كان هناك رجل فقير، وكان يملك عُكازُا وجرة، فقرر أن يجمع فيها العسل، ويُنقص كل يوم شيئًا قليلًا، حتى تمتلئ الجرة، ويغلى ثمن العسل في السوق فيبيعه ويكسب المال.
فِعلًا بدأ الرجل يجمع العسل في الجرة، وعلقها بخيط متين في السقف حتى لا يلمسها، مرت الأيام وامتلأت الجرة.
في اليوم المُوالي، استلقى الرجل على ظهره وفي يده عُكازه كالعادة فهو يستعمله ليُساعده على المشي، يتوكأُ عليه، وأخذ يُفكر، سأبيع العسل وبثمن العسل أشتري دجاجة.
تبيض الدجاجة بيضة كل يوم، أجمع البيض لعشرين يومًا، وأتركها تحضنه ويفقس ويصبح عندي 20 كتكوتا ودجاجة، وتكبر الكتاكيت وتصبح دجاجًا.
وأبيع الدجاج وأشتري نعجة، وتلد النعجة خروفًا، ويكبر القطيع وأبيعه وأشتري بقرة، وأحلب حليبها وأبيعه وتلد عِجلُا وأبيعه بمبلغ كبير، وأشتري منزلُا وأُؤجره وأكسب المال الكثير كل شهر.
أنام والمال يأتيني بدون عمل ولا عذاب، ويتساقط المال علي من السماء.
ومرت ذُبابة على وجهه، فرفع عُكازه ليهش عليها به.
وأحس بقُدرات عجيبة ضرب الجرة، وسال العسل على وجهه، ليستيقظ مفزوعًا، بالسائل البارد على وجهه.
وضاعت كل أحلامه في لمح البصر.
ضحكتُ بأعلى صوتي: ها ها ها، يا له من رجل مسكين، لم يأكل العسل، ولم يبعه، وبقيَ فقيرا.
كوني أمًّا ولا تكوني سُمًّا
استيقظت قبل الوقت بربع ساعة، من فرحتي وكلي أمل وشوق لِلقاء يوسف، أو في الواقع كلي شوق لآخذ مالي ولآكل الحلويات والكاطو، يم يم.
ذهبت وأنا أطير وليس أمشي، التقيت بيوسف، وإذا به كئيب وقال أن أمه أخذت منه المبلغ بالكامل، لأنها تحتاجه.
كان خبرا صاعقا، حطم كل أحلامي، وتذكرت قصة جرة العسل، وقلت الآن فهمت لماذا حكتها لي أمي، لكي لا أبني آمالًا كبيرة وتتحطم في لمح البصر.
أقول لكل أم:
"كوني أمًّا ولا تكوني سُمًّا".
فنصف جمالك من كلامك.
المغزى
في الحقيقة يوسف أعماه الطمع، وقرر أن يُخبأ المال، لكن الله انتقم منه، فكما حرمني من حصتي حرمه الله من حِصته، فالمال يعمي الأبصار.
وموقفه كان سيئا، والمبلغ ليس كبيرًا للدرجة التي يُقرر أن يستغني عن صديقه لأجلها، لكن الله جزاه بمثل ما فعل.
ختاما
الحياة لا تتوقف عند بعض المواقف، استمر مهما كانت النتائج، ولا تيأس وستنجح، وكن صديقا حقيقيا.
تعليقات
إرسال تعليق